بعكس المنطق التقليدي .. لماذا تحتفي الأسواق الأمريكية بالبيانات الاقتصادية السلبية وتتراجع بعد الأنباء الإيجابية؟

27/5/2024

شهدت وول ستريت يوم الخميس الماضي موجة بيعية في سوق الأسهم الأمريكية – باستثناء سهم إنفيديا – بعد بيانات اقتصادية إيجابية بشكل مفاجئ.

 

وألقى هبوط الأسهم الأمريكية الأسبوع الماضي بالمزيد من الضوء على النهج غير المنطقي في وول ستريت مؤخرًا والمتمثل في النظر للبيانات الإيجابية باعتبارها تطورًا سلبياً للسوق، في الوقت الذي يتم فيه الاحتفاء بالأنباء السلبية.

 

 

خسائر قوية بعد بيانات إيجابية

 

- تعرض مؤشر"إس آند بي 500" يوم الخميس الماضي لتراجع ملحوظ، بعدما انخفض بنحو 0.7% في أكبر وتيرة هبوط منذ أبريل الماضي.

 

 

- كما انخفض مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 1.5% يوم الخميس الماضي، في أسوأ جلسة تداول منذ مارس 2023.

 

- في إجمالي الأسبوع الماضي، تباين أداء مؤشرات الأسهم الأمريكية، حيث انخفض "داو جونز" بنحو 2.3% ليسجل أول هبوط أسبوعي في خمسة أسابيع، بينما صعد مؤشرا "إس آند بي 500" و"ناسداك" بنحو 0.03% و1.4% على الترتيب.

 

 

- جاء الهبوط الحاد لمؤشرات الأسهم الأمريكية يوم الخميس الماضي، على الرغم من قفزة سهم "إنفيديا" لمستوى قياسي جديد بعد نتائج الأعمال الإيجابية للشركة.

 

- أنهى سهم صانعة الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي جلسة الخميس مرتفعًا بأكثر من 9%، ليحقق مستوى قياسياً أعلى 1000 دولار للسهم.

 

- أعلنت "إنفيديا" ارتفاع الإيرادات بنحو 262% في الثلاثة أشهر المنتهية في أبريل الماضي على أساس سنوي، كما صعد صافي الربح 629% في نفس الفترة.

 

- لم تكتف الشركة بنتائج الأعمال المبهرة فحسب، لكنها أعلنت تقسيم السهم على أساس 10 مقابل كل سهم، بالإضافة إلى زيادة توزيعات الأرباح 150%.

 

- لكن الأداء القوي لسهم "إنفيديا" اصطدم بالبيانات الاقتصادية القوية والتي أثارت الشكوك بشأن مسار السياسة النقدية الأمريكية.

 

- ارتفع مؤشر "إس آند بي جلوبال" لمديري المشتريات الأمريكي المركب إلى 54.4 نقطة في مايو، مقابل 51.3 نقطة في أبريل، وبعكس التوقعات التي كانت تشير إلى تراجعه عند 51.1 نقطة.

 

- قال "كريس ويليامسون" كبير اقتصاديي الأعمال في "إس آند بي جلوبال ماركت" إن الانتعاش الاقتصادي الأمريكي عاد للتسارع مرة أخرى، حيث أشار مؤشر مديري المشتريات إلى أسرع نمو منذ ما يزيد عن عامين خلال مايو الماضي، ما قد يدفع الاقتصاد الأمريكي لتحقيق مكاسب قوية في الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني من هذا العام.

 

- على جانب موازي، أظهرت بيانات منفصلة أن طلبات إعانة البطالة الأمريكية تراجعت بأكثر من المتوقع لتصل إلى 215 ألفاً في الأسبوع الماضي.

 

- يعتبر تراجع طلبات إعانة البطالة وتسارع النشاط الاقتصادي تطورًا إيجابياً للاقتصاد، لكنه كان بمثابة نبأ سلبي لأولئك الذين يأملون في تباطؤ الاقتصاد والذي قد يمنح الاحتياطي الفيدرالي فرصة لخفض الفائدة.

 

تركيز على مسار الفائدة

 

- رغم أن الاقتصاد القوي يعد أمرًا جيدًا لأرباح الشركات، فإن بالنسبة للأسواق التي تركز بشكل مفرط على الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي، يعني المزيد من النمو احتمالية أكبر لبقاء معدلات التضخم عند مستويات مرتفعة، وبالتالي بقاء الفائدة أعلى لفترة أطول.

 

- أدت البيانات الاقتصادية القوية إلى دفع المستثمرين لإعادة النظر في توقعات خفض الفائدة الأمريكية، حيث عادت احتمالية اكتفاء الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة مرة واحدة إلى الواجهة من جديد.

 

- يسعى الفيدرالي لكبح جماح التضخم المتسارع منذ التعافي من وباء "كورونا"، ما دفع البنك لرفع معدلات الفائدة بشكل حاد من مستويات قرب الصفر في منتصف 2022 إلى نطاق 5.25% و5.5% حالياً.

 

 

- يستهدف الفيدرالي الأمريكي تهدئة نمو الاقتصاد وسوق العمل، لإبطاء التضخم نحو المستهدف البالغ 2%.

 

- لكن من شأن استمرار النمو المبالغ فيه للاقتصاد وسوق العمل أن يبقي الضغوط التضخمية مرتفعة في الولايات المتحدة، وهو ما قد يجبر الفيدرالي على الانتظار لفترة أطول من أجل خفض معدلات الفائدة.

 

- كانت أداة "فيد واتش" تشير في بداية هذا العام إلى 6 عمليات خفض للفائدة الأمريكية في إجمالي 2024، لكن البيانات الاقتصادية القوية واستمرار التضخم العنيد قلصا عمليات خفض الفائدة المتوقعة هذا العام إلى مرتين فحسب على الأكثر.

 

- يخشى بعض المتابعين من أن الاقتصاد القوي قد يدفع الفيدرالي الأمريكي لعدم خفض معدلات الفائدة على الإطلاق هذا العام، في حين ظهرت بعض الأصوات المطالبة برفع تكاليف الاقتراض إذا اقتضى الأمر.

 

- قال "لي فيريدج" المحلل في "ستيت ستريت" إنه إذا كانت الأسواق تعتقد بالفعل أن الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى رفع الفائدة لإبطاء الاقتصاد الأمريكي، فإن السوق سيكون مهدد بموجة بيعية قوية.

 

سلبي للاقتصاد جيد للأسواق

 

- على الجانب الآخر، احتفت الأسواق الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر ببيانات اقتصادية سلبية، في تعبير عملي عن الاعتقاد بأن "الأخبار السيئة للاقتصاد قد تكون جيدة للأسواق".

 

- ارتفع مؤشر "داو جونز" في وقت سابق من شهر مايو الجاري أعلى 40 ألف نقطة للمرة الأولى في تاريخه، كما صعد "إس آند بي 500" ليتجاوز 5300 نقطة لأول مرة على الإطلاق.

 

- جاءت المكاسب القياسية لسوق الأسهم الأمريكي بعد بيانات سابقة أظهرت إضافة الاقتصاد أقل عدد وظائف في ستة أشهر خلال أبريل الماضي، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 3.9% مقارنة بالتوقعات عند 3.8%.

 

- كما استفاد سوق الأسهم هذا الشهر من تراجع مؤشر ميشيغيان لثقة المستهلك الأمريكي بأكثر من المتوقع خلال مايو، بالإضافة إلى ثبات مبيعات التجزئة في أبريل.

 

- في العام الماضي، تسببت البيانات الاقتصادية الجيدة في إجبار المستثمرين على تهدئة توقعاتهم بشأن وتيرة خفض الفائدة الأمريكية، ما دفع مؤشر "إس آند بي 500" للهبوط في الفترة بين شهري أغسطس حتى أكتوبر 2023 بسبب سيناريو "الأخبار الجيدة للاقتصاد سلبية للسوق".

 

 

- لكن مع في أكتوبر، تحولت البيانات الاقتصادية إلى النطاق السلبي، ما ساعد "إس آند بي 500" على الوصول إلى القاع، قبل أن يتحول للارتفاع القوي في الأشهر الأخيرة من 2023.

 

- قالت "ليزا شاليت" كبيرة مسؤولي الاستثمار في "مورجان ستانلي أسيت مانجمنت" إنه عادة ما تكون المفاجآت الاقتصادية والأسهم مرتبطة بشكل إيجابي، لكنها أشارت إلى أن هذا الارتباط انكسر في أكتوبر 2022، عندما أصبحت الأسواق تركز على التخفيضات المحتملة لمعدلات الفائدة من جانب الفيدرالي الأمريكي.

 

- ذكرت "شاليت" أن هوس المستثمرين بتيسير السياسة النقدية يعني أن أي تباطؤ اقتصادي أصبح فجأة إيجابياً بالنسبة للأسهم والعكس صحيح.

 

هل يستمر التوجه غير المنطقي؟

 

- يشكك محللون في إمكانية استمرار الاعتقاد بأن الأخبار السلبية للاقتصاد ستكون إيجابية للأسواق على المدى الطويل.

 

- قال محللو "مورجان ستانلي" إن التاريخ يشير إلى أن الكثير من الأخبار السلبية للاقتصاد ستتحول في النهاية إلى تطورات سلبية للأسواق أيضًا، مع تعرض المستثمرين غير المستعدين للصدمة آنذاك.

 

- يعتقد البنك الاستثماري أنه على المستثمرين الحذر من البيانات الخاصة بالمستهلكين الأمريكيين، مع حقيقة أن الإنفاق الاستهلاكي يمثل أكثر من ثلثي حجم الاقتصاد الأمريكي.

 

- ينصح "مورجان ستانلي" المستثمرين بالتركيز على إيجاد التوازن، مع انتقاء الأسهم التي تتمتع بتدفقات نقدية عالية الجودة وتلك القادرة على تحقيق الأرباح المستهدفة.

 

- كما يرى "مارك هايكيت" رئيس قسم أبحاث الاستثمار في "نيشن وايد" لإدارة الاستثمار أن المستثمرين اتبعوا مؤخرًا منطقاً غريبًا يتمثل في أن إشارات تباطؤ النشاط الاقتصادي تمثل أخبارًا طيبة للسوق والعكس صحيح.

 

 

- لكن "هايكيت" شدد على أن ضعف نمو الرواتب أو تباطؤ النشاط الاقتصادي ينبغي أن يؤدي إلى ضعف أداء السوق في المستقبل، لأن النمو الاقتصادي وعوائد الأسهم يميلان إلى السير في اتجاه واحد على المدى الطويل.

 

- يميل المنطق إلى التحقق على المدى الطويل، حيث أن سهم أي شركة يعكس القيمة المتوقعة للتدفقات النقدية المستقبلية، وهو ما يرتبط بشكل وثيق بنمو واستقرار الاقتصاد.

 

- عندما ينمو النشاط الاقتصادي، فإن ذلك يعني توفير وظائف جديدة وارتفاع دخل الأسر وتحقيق الشركات مبيعات وأرباح قوية ومزيد من ثقة المستهلكين والشركات، وهو ما يميل إلى دفع أسعار الأسهم للارتفاع.

 

- كما حذرت "ليزا شاليت" كبيرة مسؤولي الاستثمار في "مورجان ستانلي أسيت مانجمنت" من أن العلاقة العكسية بين الأخبار الاقتصادية وسوق الأسهم يمكن أن تتحول للنقيض بشكل مفاجئ، لتصبح البيانات السيئة في الواقع سلبية بالفعل للأسهم، لأن الآثار على النمو وأرباح الشركات قد تطغى على الإيجابيات بالنسبة للتقييمات.

 

- بينما يرى "جاي بيلوسكي" المحلل في "تي بي دبليو أدفايزوري" أن العلاقة بين توقعات مسار الفائدة وسوق الأسهم لا تهم حقًا، معتبرًا أن الاقتصاد العالمي في المراحل الأولى من دورة جديدة، ما سيقدم الدعم للأسهم والأسواق الناشئة.

 

- يعتقد "بيلوسكي" أن الأسواق ترى أن الشركات ستكون قادرة على جني الأموال، وهو ما سيدفع الأسهم لمزيد من الصعود.

 

المصادر: اون شارت – بارونز – ماركت وتش – مورجان ستانلي – نيشن وايد فاينانشال – بيزنس إنسايدر – بلومبرج

جميع الحقوق محفوظة @ 2019
Powered By : Idea World Web
عرض اليوم