محللون لـ أرقام: الفيدرالي يتجه لتثبيت الفائدة وسط ضغوط التضخم ومخاوف تباطؤ سوق العمل

29/7/2025

مبنى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي


يجتمع مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، برئاسة جيروم باول، اليوم الثلاثاء وغدا الأربعاء، لاتخاذ قرار بشأن أسعار الفائدة، وسط تطورات تتعلق بقراءات التضخم وتأثير الرسوم الجمركية، إلى جانب مؤشرات متباينة في سوق العمل، وضغوط سياسية متزايدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي جدد مطالباته بخفض أسعار الفائدة.

 

ورجّح عدد من المحللين، استطلعت أرقام آراءهم، أن يبقي الفيدرالي على نطاق الفائدة الحالي بين 4.25% و4.50% دون تغيير، في ظل غياب مؤشرات كافية على تباطؤ مستدام في التضخم، واستمرار حالة الترقب للبيانات الاقتصادية خلال الأشهر القادمة.

 

وتوقعت زينة رزق، الرئيس والشريك في إدارة أصول الدخل الثابت في أموال كابيتال، أن يتخذ الفيدرالي قرارًا بالإبقاء على الفائدة دون تغيير خلال اجتماع يوليو، موضحة أن التباطؤ في التضخم لا يزال غير كافٍ، في ظل استمرار بعض الضغوط الهيكلية، خاصة في قطاعي الإيجارات والخدمات.

 

وأشارت رزق إلى أن التضخم الأساسي لا يزال أعلى من مستهدف الفيدرالي، مما يجعل صناع القرار في حالة ترقب لحين تأكدهم من وجود مسار هبوطي مستقر.

 

في السياق ذاته، أوضح أحمد عسيري، استراتيجي الأبحاث في شركة Pepperstone، أن البيانات الشهرية الأخيرة أظهرت نمطًا متقلبًا للتضخم، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلك زيادات طفيفة بواقع 0.2% في أبريل، و0.1% في مايو، و0.3% في يوليو، مما دفع المتوسط السنوي إلى مستوى 2.7%.

 

 وأضاف أن التضخم الأساسي، الذي يستثني مكوني الطاقة والغذاء، فبلغ 2.9%، وهو ما يعكس جزئيًا تأثير الرسوم الجمركية الأخيرة على بعض السلع.

 

وذكر عسيري أن المخزونات التي تم شراؤها قبل دخول التعريفات حيّز التنفيذ أخّرت ظهور الأثر الكامل في بيانات مايو الماضي، مبينا أن الأثر بدأ ينعكس بوضوح اعتبارًا من يوليو، مشيراً إلى أن الفيدرالي لن يقدم على خفض الفائدة طالما أن مؤشرات التضخم لم تظهر تباطؤًا حقيقيًا ومستقرًا.

 

وأشار إلى أنه رغم التماسك الظاهري في قرارات الفيدرالي، من المتوقع أن يشهد اجتماع هذا الأسبوع تصويتًا داخليًا نادرًا من قبل عضوين في اللجنة (كريستوفر وولر وميشيل باومن) لصالح خفض الفائدة، وهو ما قد يفسر كمؤشر على خلاف داخلي أو طموحات شخصية داخل المجلس، لكنه لن يغير من التوجه العام نحو التثبيت.

 

من جهته، شدد محمد الفراج، رئيس أول إدارة الأصول في أرباح كابيتال، على أن التضخم لا يزال يشكل أولوية في توجهات الفيدرالي، متوقعًا استمرار السياسة الحالية دون تعديل حتى نهاية الربع الثالث.

 

وقال الفراج إن الضغوط في قطاعي الخدمات والإيجارات تُبقي التضخم في مستويات مرتفعة نسبيًا، وتدفع الفيدرالي الى التريث وعدم الاستعجال في الخفض.

 

سوق العمل بين التماسك والتباطؤ التدريجي

 

أما بشأن سوق العمل، فتتقاطع آراء المحللين الثلاثة حول وجود تباطؤ تدريجي، دون أن يصل إلى مستوى الأزمة أو التراجع الحاد.

 

وأوضحت رزق أن الأرقام الحالية لا تعكس انهيارًا، بل إشارات محدودة على التباطؤ، بينما لفت عسيري إلى أن التوظيف لا يزال مستقرًا نسبيًا، حيث أضيفت 139 ألف وظيفة في مايو، و147 ألفًا في يونيو، مع توقعات تتجاوز 100 ألف وظيفة في يوليو.

 

وأشار عسيري إلى أن معدلات البطالة استقرت عند 4.1%، ما يظهر مرونة نسبية تسمح للفيدرالي بالانتظار إلى اجتماع سبتمبر وعدم الاستعجال حتى يرى أدلة واضحة.

 

واتفق الفراج على أن هذه المؤشرات تمنح الفيدرالي مجالًا إضافيًا لمراقبة الوضع دون اتخاذ قرارات استباقية، مضيفاً أن الأرقام الأخيرة تمثل تباطؤًا فعليًا مقارنة بالشهور السابقة، لكنها لا تزال ضمن النطاق المقبول من حيث استقرار السوق، بل يمنحه مجالًا للاستمرار في مراقبة التطورات الاقتصادية عن كثب.

 

من جهتها، قالت رزق إن الفيدرالي يراقب تأثير التعريفات الجمركية على النمو، والتي قد تستغرق من 6 إلى 8 أشهر للظهور بوضوح، مبينة أن قوة سوق العمل الحالية تتيح للفيدرالي التريث حتى تتضح الصورة بالكامل بشأن اتجاهات التضخم.

 

وأشارت إلى أن عوامل إضافية مثل ترحيل المهاجرين وتوسع استخدام الذكاء الاصطناعي قد تشكل ضغوطاً سلبية مستقبلاً على سوق العمل، لكنها لم تظهر بعد في المؤشرات الحالية.

 

وتوقعت أنه في حال شهدت الأشهر المقبلة تراجعاً حاداً في بيانات التوظيف أو ارتفاعاً في معدلات البطالة، فإن الفيدرالي قد يعطي الأولوية لسوق العمل ويتجه إلى خفض الفائدة، أما إذا استمر التضخم في التراجع مع بقاء سوق العمل متماسكاً، فمن المرجح أن يواصل سياسة الترقب.

 

استقلالية الفيدرالي تحت اختبار الضغوط السياسية

 

وفيما يتعلق بالتأثيرات السياسية، رأت رزق أن تدخلات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتكرار مطالباته بخفض الفائدة، من شأنها أن تخلق تقلبات قصيرة الأجل في الأسواق، لكنها لا تؤثر فعليًا على استقلالية الفيدرالي، الذي يبني قراراته على أساس البيانات.

 

وأشارت إلى أن الأسواق لم تتفاعل بشكل قوي مع هذه التصريحات حتى الآن، لكنها ستراقب تطورات العلاقة بين البيت الأبيض والبنك المركزي عن كثب.

 

أما عسيري، فأشار إلى أن الضغوط السياسية بلغت ذروتها عندما تداولت الأسواق أنباء عن نية البيت الأبيض إعداد مسودة لتنحية جيروم باول.

 

 وقال إن رد فعل سوق السندات كان واضحًا، حيث ارتفعت العوائد بشكل حاد، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى نفي تلك التوجهات، إذ إن مثل هذه التحركات تكلف الأسواق كثيرًا، وتظهر أن استقلالية السياسة النقدية خط أحمر.

 

بدوره، توقع الفراج أن يواصل باول الحفاظ على استقلالية الفيدرالي، رغم تصاعد الخطاب السياسي ولن يسمح بتأثر قرارات البنك المركزي بشكل مباشر بالضغوط السياسية، رغم أن الأسواق قد تشهد بعض التقلبات نتيجة تصاعد الخطاب السياسي.

 

التشديد النقدي تحت المراقبة

 

وفيما يتعلق بالتشديد الكمي، أشار المحللون إلى أن الفيدرالي بدأ منذ مايو 2025 بخفض تدريجي في برنامج إعادة شراء السندات، مع تقليص سقف إعادة الاستثمار إلى 5 مليارات دولار شهريًا.

 

ولفت عسيري إلى أن هذا التوجه قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في العوائد طويلة الأجل، وتحفيز أسعار الأصول بما في ذلك الأسهم والسلع، مع تأثير محدود على الدولار في المدى المتوسط.

 

واتفق الفراج مع هذا الرأي، مشيراً إلى أن الفيدرالي يستهدف إنهاء البرنامج تدريجيًا خلال عام 2026، بما يتماشى مع استقرار مستويات السيولة في السوق، مؤكدا أن مثل هذه التحركات تعد من أدوات السياسة غير المباشرة التي تساعد في ضبط توازن السوق دون اللجوء إلى تغيير معدلات الفائدة بشكل مباشر.

 

وتوقع الفراج أن يؤدي مسار خفض التشديد الكمي، المتوقع استمراره حتى نهاية 2026، إلى تراجع تدريجي في العوائد طويلة الأجل، وتحفيز أسعار الأصول بما في ذلك الأسهم والسلع، مع تأثير محدود على الدولار في المدى المتوسط بحسب ظروف النمو العالمي.

 

نقطة الحسم في سبتمبر

 

وقال عسيري إن سيناريو تثبيت الفائدة لا يزال هو المرجّح هذا الأسبوع، في حين أن أول خفض محتمل قد يأتي في سبتمبر بنسبة احتمال تقارب 60%، لافتًا إلى أن تقرير الوظائف المقبل سيكون نقطة الفصل في تثبيت هذه التوقعات، خاصة إذا ما تجاوزت الوظائف المضافة حاجز 100 ألف مع بقاء البطالة مستقرة.

 

وتوقعت رزق أن يواصل الفيدرالي تثبيت أسعار الفائدة لفترة أطول ما لم تظهر مفاجآت تضخمية أو تباطؤ حاد في سوق العمل، مضيفة أنه في حال تغيّرت البيانات بشكل مفاجئ، فقد يتجه الفيدرالي إلى خفض الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع.

جميع الحقوق محفوظة @ 2019
Powered By : Idea World Web
عرض اليوم